قسد بين مخاوف الزوال وجنون العمليات الأمنية

إنّ الظروف الإقليمية المحيطة بقسد وإدارتها الذاتية لمناطق تواجدها شمال شرق سورية تكاد تكون الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لهذه الميليشيا الإرهابية، حيث أنها تترقب بحذر عملية عسكرية تركية قد تطال مدناً حيوية ومهمة بالنسبة لها، وفي الوقت ذاته تسعى إلى تكثيف عملياتها الأمنية الداخلية بشكل جنوني وخاصة في الأسابيع القليلة الماضية، ما يعكس حجم الخوف من الطوارئ والأحداث الداخلية غير المحسوبة لا سيما أنها في وضع محرج لا يحتمل أي خطأ أو انفلات أمني داخل مناطق سيطرتها.

قسد

تزايد الانشقاقات عن قسد واعتقال العشرات من المنشقين

اعتقلت ميليشيات “قسد”، يوم الجمعة 17 حزيران/يونيو الجاري، عدداً من عناصر سابقين كانوا يقاتلون في صفوفها ثم انشقوا عنها في ريف الحسكة الجنوبي. 

وجاء ذلك بعد أسبوع واحد من عملية أخرى مشابهة في المنطقة نفسها قامت فيها قسد باعتقال 14 عنصر سابق كانوا كذلك في صفوف الميليشيا، ولكنهم هربوا من معسكراتها التدريبية في وقت سابق.

وبحسب مصادر محلية متابعة فإنّ أغلب المقبوض عليهم في العمليتين المذكورتين هم من أبناء مدينة “الشدادي” الواقعة جنوبي مدينة الحسكة، ويذكر أنّ الميليشيا وجهت إليهم عدة اتهامات منها الانشقاق عن صفوفها، والعمالة لصالح “الجيش التركي” و “الجيش الوطني السوري”.

ولم تكن هاتين العمليتين الوحيدتان في هذا الجانب فقد اعتقلت في وقت سابق ميليشيا قسد ثلاثة من عناصرها العاملين في منطقة “تل تمر” شمالي الحسكة والقريبة من خطوط التماس مع الجيش الوطني السوري، وكانت التهمة الموجهة لهم هي “التخابر مع جهات خارجية”

وكذلك لم تكن الحسكة هي المحافظة الوحيدة التي شهدت هذا النوع من الاعتقالات فقد طالت كذلك 4 عناصر من قسد في بلدة “عين عيسى” شمال الرقة، والواقعة كذلك على خط التماس مع الجيش الوطني السوري، وقد وجهت لهم تهمة “محاولة الفرار من صفوف قسد”.

هنا لا بد من التركيز على ماهية الاعتقالات، التي تطال عناصر موجودين أو منشقين عن قسد ما يعكس الكثير من الحقائق لعل أهمهما:

  1. خطة مخابراتية من قسد تريد من خلالها إرباك أي خلايا حقيقية تعمل لصالح الجيش التركي داخل صفوفها من خلال افتعال عمليات أمنية أو استغلال أي عملية متوفرة للحديث عن القبض على متعاملين مع تركيا، وتهدف من ذلك إلى شل حركة الخلايا الموجودة ولم تنكشف بإيهامها بأنها تطبق خطة أمنية فضحت المتخابرين مع الجيش التركي وحليفه “الوطني السوري”.
  2. قد تكون هناك انشقاقات بالفعل ولكن قسد تهوّل التهمة لتخويف العناصر الراغبين بالانشقاق بأنهم سيواجهون تهمة “الخيانة”.
  3. ويرى محللون آخرون أنّ هذه العمليات تعكس الخوف الدفين لدى الأجهزة الأمنية لقسد واستنفاراً غير مسبوق على الجبهات الداخلية خوفاً من أن تكون العملية العسكرية التركية التالية غير محدودة الجغرافية، وبالتالي قد تبدأ انهيارات حقيقية في الجسم العسكري لقسد مما ينذر بزوال سريع لها، لذلك هي في حالة استنفار قصوى هذه الأيام.

عملية أمنية في ريف الحسكة بحثاً عن خلية لداعش

أعلن المركز الإعلامي لميليشيا قسد قبل أيام عن عملية أمنية واسعة بالتعاون مع قوات التحالف الدولي نفذتها “الوحدات الخاصة” في قسد”، في ريف الحسكة الجنوبي قالت إنها استهدفت من خلالها أحد عناصر تنظيم “داعش”.

وبحسب المركز الإعلامي، فإن القيادي المُستهدف في ريف قرية السعدة المحاذية للريف الشمالي لدير الزور، كان ينشط بتفجير العبوات الناسفة في السيارات والعربات العسكرية والأمنية، فضلاً عن تنفيذ هجمات استهدفت نقاطاً أمنية تابعة لـ(الأسايش) في مناطق مختلفة من ريفي الحسكة ودير الزور.

وبحسب ما نقلت عدة مصادر مقربة من قسد، فقد صادرت الميليشيا وثائق ومعدات عسكرية وأخرى للاتصالات كانت بحوزة القيادي، ولفتت إلى أن “داعش”، تبنى في ذات الوقت عبر معرفاته استهداف أربعة عناصر من ميليشيا قسد في بلدة البصيرة شرقي دير الزور، ما فسره متابعون بعملية انتقامية رداً على اعتقال قسد للقيادي في داعش.

من جهتهم يشكك العديد من المتابعين للوضع العسكري والأمني في المنطقة برواية “قسد” ويتوقعون أنها تفتعل مثل هذه العمليات وتوهم التحالف الدولي بتقارير كاذبة تهدف من خلالها إلى استخدام شماعة “داعش” لزيادة الاحتفاظ بالدعم الدولي واستمرار شرعنة وجودها في المنطقة وخاصة مع التهديدات التركية الأخيرة.

قسد تدعي ملاحقة مصادر تمويل لداعش في الحسكة

في بداية الأسبوع الثاني من هذا الشهر أعلنت وسائل الإعلام التابعة لقسد عن عملية أمنية قامت بها الميليشيا وتم من خلالها القبض على ثلاثة أشخاص بتهمة تحويل الأموال لصالح تنظيم “داعش” في ريف الحسكة الشرقي.

وقال المكتب الإعلامي لقوات “قسد”، إن الأخيرة اعتقلت ثلاثة أشخاص بمساندة التحالف الدولي خلال مداهمة نفذتها في بلدة “الهول” بريف الحسكة.

وأضاف أن الأشخاص المعتقلين يعملون في تحويل الأموال لخلايا “داعش” في ريف الحسكة ومناطق مختلفة من بينها مخيم “الهول”.

وفي سياق متصل، نقلت مصادر محلية متابعة أنّ قوة من التحالف الدولي و”قسد” نفذت عملية إنزال جوي على منزل المدعو “سليمان الحمود” في بلدة “الهول” واعتقلت ابنيه وهم أصحاب مكتب الفاروق في البلدة.

وأشارت المصادر إلى أن “فاروق الحمود” يملك مكتب تحويل ضمن مخيم الهول يعرف باسم “مكتب أبو الريم” وقد اتهمته “قسد” لعدة مرات بتسهيل نشاط عوائل وخلايا تنظيم “داعش” المالي ضمن بلدة ومخيم الهول.

السؤال الذي يطرح نفسه كيف لمكاتب تحويل الأموال أن تعمل في مخيم الهول، فهي تحت سيطرة قسد وعملها يتم على مرأى ومتابعة من ميليشيات قسد، ومن الطبيعي في حال وجود مكتب تحويل أموال واضح وبعلم قسد أن تكون هناك نشاطات تحويل أموال خارجية تصله، فمن الأحق بتهمة تمويل داعش في مثل هذه الحالة؟

أليست قسد هي نفسها متورطة في تسهيل وصول الحولات المالية هذه؟

ولكن الحقيقة أنها ـ أي قسد ـ تحاول بشتى الوسائل المتاحة لها أن تفتعل وجود عمليات أمنية تنبئ باستمرار خطر داعش في المنطقة، واستمرار نشاطاته المشبوهة إن كانت العسكرية أو المالية، وهذا بحد ذاته مبرر قوي لاستمرار الدعم الدولي لها بحجة مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، فالعملية لا تتجاوز كونها للاستثمار في المحافل الدولية فقط.

توتر أمني في سجن لقسد شمال مدينة الرقة

أفاد شهود عيان عن إطلاق رصاص من داخل “السجن المركزي” شمال مدينة الرقة، والذي تحتجز فيه قسد عدداً كبيراً من المقاتلين السابقين في تنظيم داعش الإرهابي، ما فسره العديد من المتابعين أنه عبارة عن توتر أو استعصاء للسجناء تم تنفيذه صباح يوم الأحد الماضي.

كما تناقلت مصادر إعلامية أنباء غير مؤكدة عن وجود عمليات هروب لسجناء كم داخل السجن المركزي إلا أنّ قسد سارعت إلى نفس هذه الأنباء، موضحة على حد ما صرحت به أنّ ما جرى من إطلاق للرصاص هو عبارة عن عملية أمنية بدون وجود عمليات فرار للسجناء، كما نفت الأنباء عن وجود استعصاء في السجن المركزي.

على الرغم من النفي الذي أصدرته قسد إلا أنّ العملية المذكورة كانت مفاجئة وغير مسبوقة، كما أنّ العديد من الأحياء على المدخل الشمالي للرقة شهدت استنفاراً عسكرياً لميليشيا قسد غير مسبوق وخاصة “حي رميلة”

كما تم إغلاق الطرق الرئيسية المؤدية إلى السجن المركزي إغلاقاً تاماً من قبل قوات الأسايش التابعة لقسد “الأمن الداخلي” ونفذت حملات مداهمة طالت عدة منازل في المنطقة، وقامت بتفتيش عدد من هذه المنازل والمارة في الأحياء التي شهدت العملية الأمنية دون وقوع اشتباك واضح باستثناء أصوات الرصاص لفترة قصيرة فجر يوم العملية.

على كل حال، سواءً أكانت هناك عملية فرار أم لم تكن فإنّ العملية الأمنية المذكورة كانت واسعة جداً وفي منطقة حساسة “السجن المركزي” ما يثبت فرضية الاستنفار الأمني الشامل في كافة مناطق سيطرة قسد خلال هذه الفترة.

هل ستنجح قسد في تبديد مخاوفها عبر عملياتها الأمنية

في الحقيقة إنّ ما تقوم به قسد من مخططات تلقى تصديقاً من قبل عدة جهات دولية منها التحالف الدولي ودول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن مهما كانت الخدمات التي تقدمها قسد أو تدعي القيام بها، ومهما حاولت إظهار نفسها بمظهر صمام أمان المنطقة والحاجز العسكري الذي يمنع عودة نشوء تنظيم داعش من جديد إلا أنها لا زالت دون أقل الأوراق التي تمتلكها تركيا وتستطيع من خلالها الضغط على الدول الداعمة لقسد للقيام بعمليتها الأمنية القادمة.

استطاعت تركيا أن تمضي بأشواط طويلة جداً من التفاهمات مع روسيا وخصوصاً بعد انشغال الأخيرة بحربها في أوكرانيا، ما يجعل موسكو تعيد ترتيب أوراقها في المنطقة بطريقة مختلفة تماماً، وإنّ اللقاءات الدبلوماسية الروسية التركية كانت محبطة لقسد من خلال التصريحات الروسية المؤيدة لحق تركيا في الدفاع عن أمنها القومي.

كذلك إنّ الضغوط التركية لمنع دخول السويد إلى حلف الناتو لأنها تعتبر داعمة لميليشيا حزب العمال الكردستاني الذي تعتبر قسده ذراعه في سورية، تؤكد أنّ الرابح من هذه الضغوط هي تركيا بكل تأكيد.

ولا يمكن أن نغفل عن البرود الأمريكي تجاه العمليات العسكرية التركية السابقة ضد قسد، بل إنّ كثيراً من التصريحات الأمريكية آنذاك وتغيير خارطة نفوذها كانت رسائل واضحة بأنها غير متمسكة بقسد إلى النهاية.

لذلك يمكننا القول أنه بالمقارنة بين أوراق تركيا الإقليمية والتي تبنى على أساس سياسات دول كبرى ولها وزنها وثقلها وتحالفاتها القوية لا يمكن أن تقارن بها تحركات صبيانية تقوم بها قسد بين الحين والآخر لتذكر العالم أنها تواجه داعش، وهي في الحقيقة المستفيد الأبرز من هذا التنظيم الإرهابي الذي يرتبط وجود قسد بوجوده.

إقرأ أيضاً :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *