التفاعل الوجداني مع المحيط الاجتماعي..

  • بقلم: الدكتور محمد عفيف القرفان ــــ الوان نيوز

نظر الرجل من نافذة منزله ليطمئن على سيارته الجديدة التي اشتراها منذ يومين فوجد ابنه ذي الأعوام الخمسة يمسك حجراً بيده ويقوم بخدش السيارة من جهة باب السائق، فاستشاط غضباً ونزل مسرعاً وانهال بالضرب على الطفل الصغير الذي تسبب باتلاف باب السيارة الجديدة. استطاع الطفل الهرب من أبيه مسرعاً إلى غرفته وهو يبكي، وبدء الأب يتفقد الأضرار التي سببها ابنه ليجد بأنه قد كتب على باب السيارة عبارة “أحبك يا أبي”؛ ثم لتتحول بعد ذلك مشاعر الغضب إلى مشاعر ندم جعلت الأب يذهب مسرعاً إلى غرفة ابنه الصغير ليحتضنه ويعبر له عن أسفه لعدم تقديره للموقف بشكل مناسب.

التفاعل الوجداني مع المحيط الاجتماعي..
التفاعل الوجداني مع المحيط الاجتماعي..

لقد ترك الأب طاقته الوجدانية الغاضبة تخرج دون ضوابط فكانت النتيجة العنف، ثم تحولت هذه الطاقة الوجدانية إلى مشاعر ندم وتأسف.

إن كمية الطاقة الوجدانية الهائلة وغير المنضبطة تنعكس وبالاً على صاحبها سواء كانت إيجابية مثل الحب والفرح أو سلبية مثل الغضب والقلق والخوف، حيث أننا نجد من يمتلك طاقة حب هائلة ولكنها ليست تحت سيطرة صاحبها ستتحول إلى نقمة مع مرور الوقت. فالأب الذي يمتلك طاقة حب كبيرة تجاه أولاده ولا يملك السيطرة عليها، فيبالغ في تلبية احتياجاتهم لدرجة الدلال المفرط سينتج عن ذلك أولاداً فاقدي الإحساس بالمسؤولية؛ والشخص الذي يشعر بسعادة غامرة دون أن يضبطها سيتخذ قرارات غير مدروسة عادة ما يدفع ثمنها لاحقاً، وكذلك الشخص الذي يحمل كماً هائلاً من الحسد دون أن يعالجه سيتحول إلى كره ومقت وهكذا..

عندما تتحفز الطاقة الوجدانية كرهاً أو حباً، علينا أن نفعل شيئاً حيالها، لأنها إذا تُركت تخرج بلا ضوابط ستؤدي إلى عواقب وخيمة. وهنا علينا أن نقوم بذلك بحكمة كبيرة لأن التفاعل الوجداني مع المحيط الاجتماعي مهم ومطلوب، ولكن بحدود لا يجب تخطيها، ومؤكد أن الهدف ليس كبتها بطريقة مؤذية، ولكن التحكم بها بما لا يفاقم النتائج وتهذيبها بما لا يؤدي إلى كبحها.

مهم أن تجد المشاعر طريقاً للخروج فهذا شيء جيد ولكن أن تخرج بطريقة سليمة دون إفراط ومبالغة ودون التفريط بقيمتها النبيلة خصوصاً إذا كانت ذاهبة نحو الخير.

تجد شخصاً سخياً حد الإسراف..

وتجد محباً حد الجنون..

وتجد حاسداً حد الضغينة..

وتجد سعيداً حد السذاجة..

وتجد قلقاً حد الوسواس..

وتجد حزيناً حد الكآبة..

إن فهم المشاعر من الذكاء الوجداني وحده الأدنى ضبطها، أما حده الأعلى فهو توظيفها واستخدمها للمصلحة العامة، فمن الحكمة أن تخرج الطاقة الوجدانية في الوقت المناسب وفي المكان المناسب مع الشخص المناسب.

يُعرّف الوجدان على أنه “قوة باطنية”، وتشمل الأحاسيس والانفعالات والعواطف والمشاعر والميول والتوجهات تجاه المحيط الذي يعيش به الإنسان ويتفاعل معه إحجاماً أو إقبالاً نتيحة المشاعر حباً أو كرهاً، لذة أو ألماً. وتحمل هذه الطاقة الوجدانية معها الكثير من السعادة أو الشقاء لصاحبها، وذلك حسب فهمه لها وإدراكه لمعانيها المتشعبة والمعقدة.

كل إنسان يمتلك ذكاءً وجدانياً، ولكن تتفاوت النسبة بين شخص وآخر، فهنالك من لديه القدرة على فهم مشاعره ومشاعر الآخرين بسرعة بديهة كبيرة؛ وهنالك من تظهر المشاعر واضحة أمامه ولكنه غير قادر على فهمها، فضلاً عن عدم قدرته على التعامل الذكي معها لذا، سنجد أن الذكاء الوجداني , أسلوب حياة اعتاد عليه من يملكه ,لأنه يمارسه بعفوية دون تصنع , إلا أنه ليس بعيد المنال عمن لا يملكه , إذ يمكن اكتسابه والتدرب عليه.

إقرأ المزيد :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *