ماذا تعرف عن مهنة المسحراتي؟

“المسحراتي” هو أحد المظاهر الاحتفالية الخالدة لشهر رمضان، حيث يميل لها كبار السن الذين واكبوا هذه الظاهرة التراثية في الزمن الماضي الجميل، وقد كانت سائدة في شهر رمضان الذي تغزو فيه نفحات إيمانية وروحانية مقدسة.

يطلق لقب «المسحراتي» على الشخص الذي يتولى مهمة إيقاظ المسلمين في ليالي رمضان لتناول وجبة السحور، ويقوم بذلك بالعزف على مزمار أو قرع الطبل والغناء لإيقاظ النيام قبل أذان الفجر، ولأن هذه الأجواء مقتصرة على شهر واحد في السنة، فقد اختفت هذه الظاهرة على مر السنين.

مهنة المسحراتي

أئمة المساجد ومهنة المسحراتي

أعاد الظاهر بيبرس مهنة المسحراتي وأسندها إلى الشباب الذين يدرسون العلم الشرعي، وفي إحدى الفترات الماضية كان إمام المسجد يقوم بهذه المهمة في مصر، وكان ينادي على الناس ويقرأ الآية الكريمة “يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”، أما المسحراتي في دول الخليج كان يطلق عليه لقب “بطبيلة” لأنه كان يحمل الطبلة.

في السودان كان المسحراتي يحمل دفتراً يحتوي على كل أسماء أهل الحارة، ويقوم بمناداتهم بأسمائهم ويقول يا فلان وحد الدايم رمضان كريم، وكان يرافقه طفل صغير يحمل فانوساً لكي يضيء له الطريق.

هذا وقد اختلفت العبارات التي يستخدمها المسحراتي خلال الشهر الكريم، ولعل أشهرها كان “يا نايم وحد الله، يا نايم اذكر الله، السحور يا عباد الله، اصحى يا نايم وحد الدايم، قول نويت بكرة إن حييت الشهر صايم، وفي الفجر قايم رمضان كريم”.

أما في السعودية وحصراً مدينة جدة فقد كان أشهر مسحراتي فيها يدعى “عم يحيى حلنجي”، وكان يقول وهو يجوب أحياء مدينة جدة “قوم يا نايم اكسب الغنايم قوم يانايم اذكر الحي الدايم”، واستمر في عمله لمدة ٤٠ سنة.

مهنة المسحراتي عبر التاريخ

المسحراتي

بدأت هذه المهنة بالظهور منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين فرض صوم رمضان على جميع المسلمين، وكان أول مؤذن في الإسلام بلال بن رباح هو أول من قام بهذه المهمة، حيث كان ينادي بآذان كاذب قبل موعد صلاة الفجر ليوقظ المسلمين فيتناولوا وجبة السحور قبل بدء وقت الصيام مع الفجر.

واكتسبت المهنة العديد من التطورات مع مرور الوقت وقيل أنها قد ظهرت بشكل رسمي في زمن الحاكم بأمر الله الفاطمي، والذي كان يأمر الناس بالنوم باكراً بعد صلاة التراويح، ليقوم جنوده بإيقاظهم للسحور، كما قام بعض الولاة بمهمة إيقاظ رعاياهم للسحور مثل والي مصر اسحق بن عتبة في زمن الخلافة العباسية.

كان المسحراتي يجوب الحارات والأحياء بصحبة غلام صغير يضيء له طريقه في الظلام، وكان يطرق الطبلة ويعزف على المزمار وينشد لإيقاظ أهالي الحي، وكثيراً ما كان يتقصد الوقوف أمام أبواب الوجهاء لينال نصيباً من عطاياهم سواء من الطعام أو المال.

كان الناس يخصصون مبلغاً من المال للمسحراتي يعطونه إياه في صباح أول أيام العيد، وذلك لقاء جهده في إيقاظهم للسحور طوال الشهر الكريم.

ما هي شروط مهنة المسحراتي؟

قد تبدو لك هذه المهنة سهلة للوهلة الأولى، إلا أن هناك مجموعة من الشروط يجب أن تتوفر في من يقوم بهذه المهنة، فهي مهنة محترمة لها أثر طيب وتبجيل في نفوس الناس، إليك أهم هذه الشروط:

  1. أن يكون ذائع الصيت ومعروفاً لدى الناس في الحي أو القرية، وذو سمعة حسنة وأخلاق حميدة.
  2. أن يتمتع المسحراتي بصوت جميل، ويجيد فن الإنشاد وشعر التسحير الذي يتطلب وضع كلمات متداولة مع قافية خاصة بها.
  3. الانضباط في المواعيد وذلك لضمان إيقاظ الناس في الوقت المناسب.
  4. أما المواصفات الشخصية فيجب أن يكون حسن المظهر وصاحب وجه بشوش ضاحك.
ما سبب عدم ظهور المسحراتي في أيامنا هذه؟

تتنوع الأسباب التي أدت إلى زوال هذه الظاهرة مع مرور الزمن، فهذه المهنة تقتصر على إيقاظ الناس خلال شهر واحد في السنة، وبدأ الناس يستغلون هذا الشهر بمختلف العبادات ومنها إحياء الليل بالصلاة وقراءة القرآن حتى موعد السحور.

في الجانب الآخر وفرت التكنولوجيا التي ظهرت حديثاً وسائل متطورة لإيقاظ الناس كالمنبهات وأجهزة الهواتف المحمولة، فلم يعد هناك حاجة للمسحراتي بعد الآن، ولا سيما بعد ارتفاع المباني العالية والتي قد لا يصل صوته إليها.

 كما أن لتغيير نمط الحياة دوراً كبيراً فأغلب الشبان يلجؤون إلى السهر في المقاهي حتى موعد السحور، ليعودوا إلى منازلهم ويتناولوا سحورهم.

المسحراتي مهنة جميلة تحمل عبق الماضي أفسدتها أنماط الحياة الجديدة واختلاف الاهتمامات، فزالت وأخذت معها نفحات إيمانية عطرة نتمنى لو أنها لم تغادر أجواءنا في هذه الأيام.

مدير التحريرفي ألوان نيوز – الأستاذ احمد الصالح

إقرأ المزيد :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *