الذكاء الاصطناعي

حوار عن Chat GPT على هامش العيد..

بقلم:  الدكتور محمد عفيف القرفان

نشاط اجتماعي من أنشطة العيد التقليدية نزور فيه أهلنا وأحبابنا وأصدقاءنا، ولكنه كالكثير من تفاصيل حياتنا طغت عليه التكنولوجيا حتى استباحته وجعلته يخلو من المشاعر القريبة والعميقة، واحتلت ساحاته وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لتنتزع منه أرقى إحساس وهو الإحساس ب (طاقة) الشخص الاجتماعية عند لقاءه.

ولكن..

الذكاء الاصطناعي

من نشأ على روابط اجتماعية تقليدية لا يرتاح حتى يجد ذلك الصديق الذي يستطيع ملء فراغ أحدثته وسائل التواصل الحديثة، فيجد أنه لا يزال يستطيع الالتقاء بشخص يبادله اهتماماً اجتماعياً انحسر حتى وصل إلى أبعد نقطة يمكن أن تصل إليها وجدانيات من لا يسمح للعبثية أن تطغى على مجريات يومه.

يتطلب الأمر اتصالاً هاتفياً وتبادل التهاني بالعيد، ثم السؤال عن الأحوال وبعدها دعوة مسائية على فنجان قهوة في المقهى القريب، وهذا أضعف الإيمان، إذ إن الأصل في ذلك هو زيارة الصديق المقرب والحصول على شرف أكل معمول العيد وشرب القهوة في بيته لإحياء عادة تكاد أن تندثر. لكن لا بأس من اللقاء في مقهى الحي الذي لم يعد مسمى (مقهى الحي) ينطبق عليه تماماً.

حضر صديقي قبل الموعد وهذه عادته، وحضرت أنا أيضاً قبل الموعد وهذه عادتي، ولكن متأخراً عن صديقي دقيقتين كانتا كافيتين لكي يتأمل صديقي ذلك المكان الذي لا يشبهه وربما لا يروقه؛ ولكن اللقاء يستحق كل تلك “التضحيات”.

الجميل في ذلك اللقاء بالنسبة لي هو عدم التكلف والتصرف على طبيعتي من جانب، والحديث العميق بكل أريحية مع صديقي من جانب آخر؛ أما القاسم المشترك بيني وبين صديقي هو حب القراءة والاطلاع والحوار ومناقشة ما نقرأ بلا حدود. وما موضوعات السياسة والاقتصاد إلا مقبلات نستهل بها الجلسة، حتى نلج في الموضوع المحوري الذي آثرت أن أطرحه أنا، فبادرته بالسؤال:

أين وصلت في استخدامك لتطبيق Chat GPT؟

عندها تنهّد تنهيدة المطّلع الجيد وقال:

لقد أخَذَنا التطور التكنولوجي إلى أبعد مما كنا نتخيل يا صديقي، بدءاً بإدمان الأجهزة الذكية، مروراً بالقدرة على الحصول على البيانات الضخمة، وصولاً إلى ما يمكن تسميته ب “الكسل الذهني”، وإلا ماذا يعني أن تحصل على المعلومة بمجرد سؤال الذكاء الاصطناعي عنها ليقوم هو بتزويدك بالمعلومة ما يعني أن يقوم هو بالتفكير والبحث بدلاً عنك؟ أليس ذلك مؤشر على التوقف عن التفكير الناقد مثلاً؟ فقلت له بأن ذلك يوفر الوقت في عصر بات الوقت فيه يمر سريعاً، ولا طائل من إضاعته في البحث عن معلومة يستطيع الذكاء الاصطناعي تزويدك بها بثوانٍ معدودة.

هنا، قام صديقي بتعديل جلسته ليأخذ وضعية المتأهب ورشف رشفة من قهوته التي يحبها بدون سكر، وانهال علي بسيل من الأسئلة المتلاحقة قائلاً:

– أنت تعرف أنني لست عدواً للتكنولوجيا، أليس كذلك؟

– كما تعلم بأنني ملم بمستجداتها، صحيح؟

ولكن..

– أليس الحصول على المعلومة دون عناء يعني أن حالك سيكون كحال الطالب الذي لا يدرس إلا على قدر الأسئلة المتوقعة؟

– أليس الأمر أشبه بالحصول على المعلومة دون تجشم عناء البحث عنها؟

– ألا يشجع ذلك على التقاعس والتوقف عن البحث والقراءة؟

– ألا يقتل ذلك عملية البحث العلمي التي هي أساس الاختراعات والابتكارات؟

– ألا يقوّض ذلك جهود التدريس والبحث الأكاديمي الرصين؟

– ألا يساهم ذلك في زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ليطرح نفسه بديلاً عن عقل الإنسان؟

– أليس الذي يميز الإنسان قدرته على البحث والاستنتاج واستخلاص النتائج للإجابة على التساؤلات؟

– ما فائدة ذلك إذا كان الذكاء الاصطناعي هو الذي يقوم بذلك كله؟

ثم استطرد وقال:

ربما بدوت لك بأنني عدو لهذا التطور التكنولوجي، ولكنني أثق بأنك تعلم بأنني لست كذلك.

فقلت له:

نعم، أعلم ذلك، علاوة على أنك لست بحاجة إلى التبرير يا صديقي، ولكنني أستحسن هذا التطور خصوصاً إذا ما تم التعامل معه بحكمة ودراية؛ فنحن محاطون بهذا التطور التكنولوجي الهائل ولا نستطيع إلا التعامل معه والاستفادة من ميزاته دون أن يؤثر ذلك على قدراتنا الذهنية. يمكنك أن تتعامل مع هذا الذكاء الاصطناعي مع محافظتك على عاداتك في القراءة والبحث والاطلاع والاستنتاج، ألست معي بذلك؟

فقال نعم ولكن الأمر إذا خرج عن السيطرة سيفضي إلى طلاب علم عاجزين عن البحث العلمي وسينسحب ذلك على المهن والوظائف في جميع التخصصات. الأمر ليس بهذه البساطة يا عزيزي، ولكي لا أبدو تشاؤمياً، دعنا ننتظر ونرى إلى ما ستؤول إليه الأمور!.

إقرأ أيضاً :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *